الجمعة، 21 نوفمبر 2014

تجربة مراحيض القائد


للكاتب المبدع / حامد المالكي


كانت مسألة ذهابنا الى المعسكرات تدريب الطلبة في العطلة الصيفية محسومة، فمن لا يذهب، يُرَقّن قيده ويطرد من الجامعة، كانت تفاصيل هذه القصة عام 1988 او 1989، لا اذكر بالضبط. ففي هذا الوقت اخذونا الى معسكر النعمان الذي يقع في اطراف محافظة الموصل السليبة –الى حين- بواسطة باصات عسكرية نوع مارسيدس (اوتومارس)، كنّا نغني في الطريق كما لو كنا نذهب في رحلة ترفيهية، بعد عدة ساعات وصلنا الى صحراء، ترابها احمر دبق يشبه العجين بسبب المعادن التي تحتها كما قيل لنا. وزعونا في جملونات عملاقة كل واحد منها يتسع لاكثر من ثلاثمائة طالب-جندي، كان معسكرا عملاقا اعد لاستقبال الاسرى العراقيين اذا ما عادوا من ايران لتتم عملية اعادة تأهيلهم نفسيا وفكريا!
وزعوا علينا الثياب العسكرية، حلقوا لي شعري لاني كنت خنافس، ومثل اي جندي، توجهت الى سريري (يطغي) استلقيت بانتظار صباح الغد، اول يوم للتدريب العسكري.
كانت الجملونات التي تبتلع طلبة كلية الفنون الجميلة (كليتي) قريبة لتلك التي فيها طلبة كلية الشريعة، نحن (ندك ونرقص) بينما ابناء الشريعة يصلون او يتناقشون في امور الدين، ولانهم ينامون مبكرا، ونحن لا ننام، كانت تنتهي هذه الجيرة الغير متجانسة بحرب الحجارة، بين من آمن بالله واليوم الآخر، وبين من آمن بالفن والجمال، كما كنا نقول.
بعد عدة ايام سمعنا بخبر مرعب، فقد خرجت افعى صحراوية قاتلة من فتحة المرحاض ولدغت خصية طالب في كلية الشريعة فمات في مكانه في المرحاض، سرت هذه الشائعة سريان النار في هشيم المعسكر، اضربنا عن الحمام، لا احد يدخل الى المرحاض خوفا من تلك الافعى التي تختار اماكن خطرة لتلدغها، الاضراب تطور بعد ساعات الى همسات من نوع :"نهرب من المعسكر؟ نرجع لاهلنا؟ لا يهم حتى لو رقنوا قيودنا، ما نبقى". نمنا على قلق خاصة بعد ان لوح الطالب طالب قسم الرسم عبد الحسين هاشم جبر (ابن ابن عمي) بافعى كانت قد تسللت الى الجملون فقتلها بالحجارة، زوج = (مغفل) الي ينام في مكانه.
في الساعة الثانية فجرا سمعنا صوت طائرات هليكوبتر عسكرية تحوم فوق سماء المعسكر ثم تهبط باجلال في ساحة العرضات، بعدها سمعنا صوت آمر المعسكر مرعوبا منكسرا، خائفا، ينادي: "تجمَع، تجَمع، انهض، انهض". نهضنا وركضنا بثياب نومنا الى ساحة التدريب، وقفنا على شكل فصائل غير منتظمة، كان في وسط ساحة العرضات يقف كرش كبير بشوارب غليظة تنام على اكتافه كل نجوم الدنيا العسكرية ومن حوله مجموعة من الضباط اكثرهم تواضعا كان برتبة عقيد ركن، عرف الرجل بأسمه (نسيته الان) ثم اكمل: "انا مبعوث القيادة لكم، سمعت انكم تقومون باضراب، عن اي اضراب تتحدثون؟ اضع خواتكم على صدوركم و.... بهن"
هلعت القلوب لهذه الجرئة والوقاحة، ادرك الرجل انه تكلم كأي حيوان فاراد ان يدارك الموقف فاكمل:" كواويد، ساقطين، تريدون تفشلون (تجربة) السيد الرئيس القائد؟". هنا بعد هذا السطر، مسموح لك ان تقول ما تشاء، كانوا يطلقون على معسكرات تدريب الطلبة في العطلة الصيفية (تجربة القائد)، سمعنا في وقتها وعيدا وتهديدا لم نسمع بمثله من قبل، بعد ساعتين وجدنا انفسنا نهرول في ساحة العرضات ونحن نغني: "احنا مشينا مشينا مشينا... للحرب، عاشك يدافع من اجل محبوبته محبوبته واحنا مشينا للحرب"، قلت لعريف ابراهيم: "عريفي والي ماعنده محبوبة هم يروح للحرب". قال العريف: "انچب".
اذا سألتنا في حينها عن اجمل مكان نستأنس بوجودنا فيه، بالتاكيد سيكون جوابنا، المراحيض، مراحيض تجربة القائد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن