الاثنين، 31 أكتوبر 2016

إنهم يقصفون مكة بالصواريخ


جمال حسين مسلم   
                                                                               
تهافتت عديد وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والالكترونية على تداول خبرٍ بثته  مصادر خبرية من المملكة العربية السعودية , ومفاده ان اليمنيين هاجموا {مكة المكرمة }بصاروخ بعيد المدى ولكن الدفاعات الجوية السعودية اسقطته ...حمى اللهُ البيت وساكنية ومحبيه من هذا العدوان...؟؟؟ وبعيد اذاعة هذا الخبر تهافتت  معظم الحكومات العربية والاسلامية إلى شجب واستنكار { هذا العدوان } وبمعيتها المؤسسات الاسلامية الرسمية وغير الرسمية فضلا عن  عديد الشخصيات الحزبية والاجتماعية في كافة ارجاء المعمورة...والحقيقة ان التحالف العربي العسكري المعتدي على اليمن لم يقدم لنا دليلا  ملموسا واحدا على صحة المعلومات التي بثها في صدور المسلمين واكتفى بالحديث عن الموضوع من خلال وسائله الخبرية المعروفة.. وازعمُ ان توقيت الخبر كان  خطأ كبيرا ,فالعربية السعودية وتحالفها العسكري المشبوه , قد فشلوا في تحقيق الغايات والاهداف المعلنة  والمستترة وجوبا , من هذا الاعتداء العسكري على الشعب اليمني النبيل وعلى أرضه الكريمة ..وقد بان هذا الفشل العسكري على ملامح وجه هذا العدوان ,فاحتارت في شكل الاجابة  أمام شعوبها المتعطشة لمعرفة ما يدور على الحدود وإلى أين تسير هذه الحملة الصهيو-خليجية..وانعكس هذا بوضوح كبير على الوضع الداخلي للمجتمعات الخليجية ,وزاد الوضع تعقيدا عدم رغبة كبار الدول الاسلامية والعربية المشاركة في هذا العدوان ودفع ابنائها إلى هذا المستنقع ...فلم تنفع تهديدات دول الخليج لهم بقطع المساعدات المالية او طرد العمالة الاجنبية ؟؟؟ كما حدث مع الباكستانيين العاملين في العربية السعودية..؟؟ فما الذي هدفت  إليه هذه الدول المتحالفة على اراقة دماء الشعب العربي اليمني من نشر  وفبركة هذا الخبر الصاروخي....اظن ان الامر كان اكثر هولودية واثارة لو تزامن مع موسم الحج...لانتبهت حينها دول كثيرة على رعاياها في الحج وتدخلت واستشاطت  غضبا , اكثر مما حصل في هذه الايام...ويبدو ان انعكاسات الوضع الداخلي لمجمتعات خليجية معينة ولا سيما المهزومة عسكريا عند الحد الجنوبي دفع حكوماتها الى البحث عن اكذوبة تستجدي من خلالها عواطف ومشاعر الاخرين ,لعهلم يبعثون بالجنود للقتال بالنيابة عن فلان وعلان...وهذا ما لم يحدث حتى الان...اما بقية الابواق من اقزام السياسة العربية فوجدتها فرصة كبيرة للانتفاع ماديا من هذه الدول النفطية ,فعوت وتباكت كالنساء الثكالى...ولم نجد من يسأل نفسه حول اخلاقيات عرب اليمن ونبلهم وشجاعتهم والتزامهم الديني ,فكل هذه العوامل مجتمعة تؤيد وبدقة عدم اقدام رجال اليمن على مثل هذا الفعل ؛وذلك لانهم ومنذا اكثر من عام يقاتلون الباطل دون وجل ولاخوف وكلهم ثقة بانفسهم فلا يحتاجون إلى فعل مشين , لم ولن يعرف عنهم في يوم من الايام...وانما عرف عن عدوهم هذه الخسة في التعامل ولاسيما بعد قصف الامنين والمدارس والاطفال والمستشفيات  وتعريض حياة المسنين الى خطر حقيقي وادخال زواحف الصحراء من اصحاب الفكر الضال المضل إلى ارض اليمن .. ونحن نلتمس العذر لاصحاب هذه الفبركة الخبرية ولكنها ليست بالمستوى المطلوب ,فكان على دول العدوان الصهيو-خليجية ,ان تقوم  حقيقة بتفجير مكة بصاروخ عن بعد ومن ثم تتهم اخوتنا في اليمن , ولعلها تفكر بهذا الاعتداء ولا ندري ان كانت هذه الدول تمهد فعليا من أجل هذا الفعل القبيح أم أجلته إلى اجل مسمى...وفي الاخير كان لزاما على المؤسسة الاعلامية والامنية لدول هذا العدوان ان تعرف ,ان  نشر هذا الخبر لم يثر حفيظة المواطن العربي ولا الاسلامي ,فقد تحفظوا كثيرا على مصداقية هذا الخبر وفي بعض الاحيان كان مثار نكتة , فقد فشلت مسرحية ضرب البوارج الامريكية بصاروخ يمني من اجل التدخل العسكري الامريكي الذي وقع فعليا...فانتج مسرحية جديدة بمحاولة ضرب مكة المكرمة... ان العدوان وبكل اكاذيبة على مدار عام كامل لم يستطع ان يوقف نشاط الجيش اليمني ولا حركة انصار الله ..والمستمع للبيانات العسكرية  لهذه الدول , سوف يجد ان جيش اليمن قد انتهى امره وهلك ومن معه..فمن أين جاء بالقدرة الصاروخية لطحن قواعد المعتدين..؟؟ اللهم احفظ مكة المكرمة من كل مكروه ومن كل مسيء وانصر أهل اليمن ووحده صفوفهم وثبت اقدامهم إنك على كل شيء قدير...  

http://jamalleksumery.blogspot.co.at                     

السبت، 29 أكتوبر 2016

عشق تركي ممنوع...وأخر مسموح


جمال حسين مسلم                                                                                      
تنشغلُ الساحةُ العراقية هذه الايام بحرب تحرير الموصل العراقية المغتصبة  منذ عامين ونيف ,من قبل عصابات  زواحف الصحراء الدواعش ومن لف لفهم وآمن بفكرهم الضال المضل...وواحدة من أهم موضوعات الحرب الكلامية في المنتدى الاعلامي والصحفي العراقي والعربي اليوم ,هو موضوع التدخل التركي العسكري في العراق ومايقابله من تدخل عديد الدول الاقليمية المجاورة للعراق بشكل مباشر أو غير مباشر ,فضلا عن الدول اللاعبة الاساسي في المشهد على غرار الولايات المتحدة الامريكية وروسيا..وحقيقة الآمر ان المنطقة برمتها كانت محل أطماع وصراعات محلية ودولية , وقد يمتد تاريخ هذه المطاحن الدموية لاكثر من قرنين من الزمن حيث الاحتلال  العثماني للوطن العربي برمته وماتلى ذلك من احتلالات غربية للمنطقة العربية  إلى يومنا هذا ,حيث  فلسطين التي تعد  قضيتنا المركزية...  والعراق بعد عام 2003م  , كان وسيبقى لامد بعيد محط انظار الدول الاقليمية المتصارعة على مصالحها ونفوذها واحلامها التوسعية في العراق ,فهي تسوق شتى الحجج لتقنع نفسها وشعوبها بقرار التدخل وهوفي حقيقته حلم بائد وافكار مريضة مازالت تراود ساساتها ,وكذلك الامر نفسه نسبة للدول الراعية الاول للمشهد كامريكا وروسيا ,فكلاهما يمتلك الحجة والطريقة للتدخل ,وماعاد الامر خافيا على المجمتمع الدولي  , ولكن الناس ترى مصالحها مع الدول العظمى فوق مسألة العراق فلا تشتكي ولاتتبرم...الاتراك ومنذ سنين نزلوا بمعداتهم العسكرية على أرض الرافدين ولاسيما في شمال العراق (اقليم كوردستان ) وقبل ذلك جاؤا بجيوش من الدبلوماسيين وتوزعوا على مدن العراق الرئيسة ,امام أعين الدولة العراقية التي لم تمتلك الشجاعة الحقيقية في حينها لمواجهة هذا المشهد ظنا منها انه سينفعها في مجالين ,اولهما تأمين مصالح الساسة الاقتصادية والمالية على الاراضي التركية ولاسيما مصارفها!! وثانيهما كورقة داخلية عراقية ضاغطة على طرف معين دون غيره  ,التي ربما تستعمل للابتزاز من وقت لاخر !! غير ابهين بمستقبل هذا التدخل العسكري والدبلوماسي على أرض العراق ... ولا بعدد المعسكرات التي اقامها الجيش التركي داخل العراق ؟ومنذ متى ؟ ولماذا سكتت الحكومة العراقية عنها... فهل تحول العشق إلى عشق ممنوع ؟؟                                               
اما فيما يخص  ذريعة التدخل الايراني في شؤون العراق ,فماهو بالامر الخفي ,ولاسيما بعد اغتصاب داعش لثلث العراق ب 48 ساعة لاغير...وقد كانت قبل ذلك ايران  بمرافقة سوريا العربية يلعبان دور المقاوم المنتصر على الجندي الامريكي , وقد الحقا كامل الضرر بالالية العسكرية الامريكية في العراق من خلال دعمهما اللامحدود لمختلف الحركات المسلحة ...إلا ان وصول الدواعش على اطراف تلال حمرين ,غير ملامح التدخل واصبح فعليا من اجل تحقيق عديد الاهداف الامنية وفي مقدمتها ـامين الحدود الايرانية قبل غيرها ,فهب الينا مايسمى بالمستشارين وكأن العراق لامستشار فيه !!! وصارت موافقة طهران ضرورية لكل من يتولى منصبا سياديا على الاقل فيما يعتقد هو شخصيا بانه سيادي..فهل العشق التركي ممنوع وغيره مسموح .اجابة تحددها الظروف والميول والمصالح والنوايا الحقيقية لكل الاطراف المتحاربة على ارض العراق ..فربما ممنوع عندي مقبول لديك ..وهكذا تشظينا.؟؟وما ضر العراق لو إلزم نفسه بتاسيس جيش نظامي يقوم على قانون الخدمة الالزامية العسكرية...واستغنى عن كل المليشيات المسلحة وما ضر العراق لو انتج لنا بطاقة الرقم الوطني واهمل كل الثبوتيات المزورة الاخرى..وماضر العراق لو تآخى قبل دخول الدواعش وماضر العرب لو استفاقوا على العراق قبل ان يضيع هباء منثورا بين حصة فلان وعلان..وحماية المذهب والدفاع عن العرب الس.......                                     

الاثنين، 17 أكتوبر 2016

يمانيون ومنهم الحكمة والسيف

          

جمال حسين مسلم                                                                    
لم تكن الولايات المتحدة الامريكية بحاجة إلى مبرر شرعي ؛ لكي تتدخل عسكريا في العدوان ا العسكري والوحشي على الشعب العربي اليمني بكل مكوناته واطيافه.. فامريكا التي تحاضر في الشرف  في عديد المحافل الدولية والمحلية ,هي بذاتها من يدعم مهنة  الدعلرة في أماكن أخرى من العالم....واليوم وقد مرَ أكثرُ من عام على العدوان العربي الغاشم بقيادة المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وجمع أخر من المتسولين ,الذين يحسبون دول الخليج مركزا لاطعام المتشردين وطالبي شحنات الرز وحليب الاطفال وما إلى ذلك...اشترك هذا الجمع في الاعتداء على دولة اليمن العربي الشقيقة ,دون مبرر واضح لهذا العدوان أو دافع قانوني يسمح لهم بهذا العمل العسكري الشائن ,تلك الجيوش والطائرات التي ادارت خلفيتها المكتنزة من ناحية الكيان الغاصب في ارضنا المحتلة وأوغلت في دماء الشعب العربي اليمني..هي جيوش بائسة وجبانة ..فقد فشلت وبعد مرور اكثر من عام على عدوانها في  هزيمة ما اعتبرته عدوا لها ,سواء كان  من حركة انصار الله أو من ابناء الجيش اليمني السابق..وقد استخفت بموضوعة اليمن في أول ايام عدوانها ؛ لانها لم تقرأ تاريخ اليمن وعادات وتقاليد هذا الشعب ,ولم تحملها على محمل الجد ...ومن هنا فقد بانت هزيمة هذه الدول المتحالفة واضحة لدى الجميع وماعاد المنافقون الذين يتغنون بامجاد دول الاعتداء..يصغون إلى البيانات العسكرية الصادرة عن هذا التحالف ؛لانها مليئة بالاكاذيب ومجافية لحقيقة ما يجري في ارض المعركة تماما ,وعلى العكس من ذلك فقد بدت الصورة اوضح مما سبق على الحدود الجنوبية للملكة آل سعود ,فقد تلقوا دروسا كبيرة في الشجاعة وفن القتال على يد ابناء القبائل اليمنية العربية الاصيلة ,حتى انهزم جندهم شر هزيمة في اكثر من موقعة عسكرية ولا تحتاج الشمس إلى دليل ,ولما طالت الحرب وتجاوزت حدود الزمن  المحدد لها وعانت من اهمال المجتمع الدولي المرتشي علانية دون خجل او وجل..لجأ المعتدون إلى اعمال عسكرية واقتصادية اخرى هي أكثر خسة من سابقاتها ,فقد فُجِرت القاعات المدنية وضربت السمتشفيات والمدارس والبنى التحتية ودمرت المدن والقرى وهجر سكانها ...ولكن نصرا عسكريا واحدا على الارض لم يظهر على الشاشات وقنوات الاخبار وقد طال انتظاره... فما كان من حل لانقاذ الموقف المتوسل لانقاذ ما تبقى من ماء وجه دول التحالف إلا دخول امريكا على الخط مباشرة ..فلفقت لنا قصة لا احد يملك دليلا على صحتها او بطلانها ..وهي قصة ضرب المدمرة العسكرية الامريكية بصاروخ اطلق من قبل الجيش اليمني  او حركة انصار الله باتجاهها في مياه البحر الاحمر..وهذا المبرر الواهن سمح للولايات المتحدة الامريكية بشن عدوانها السافر على الاراضي اليمنية وضرب مجموعة من الاهداف بحجة الضربات الوقائية والدفاعية !!! امام انظار العالم باجمعه وسكوت  ملايين العرب ,من الذين دخل النفاق قلوبهم ورضوا بالذلة والعار لباسا لهم..وان امريكا هذه كانت قد دخلت العدوان قبل هذه الضربة بكثير ,حين سلحت وزودت هذا التحالف المهين بالمعلومات والامدادات العسكرية..واصبح واضحا ان من حق اليمن الدفاع عن نفسه بشتى الوسائل المتاحة له....ولكن هذا التجمع الابليسي  لم يستطيع الحصول على شفرة وكلمة سر قوة ابناء اليمن ,لكي يحللونها ويتعاملون معها ..فمن اليمن انطلقت الحكمة وعُرّفت الشجاعة ..فمثل هذا الشعب النبيل والاصيل لايهزم ولا ينكسر..وفي التاريخ شواهد لاتعد ولاتحصى ..واسالوا صنعاء عن كل المحتلين في سالف العصر والزمان وسوف تعلمون اين أنتم وفي اي وحل تغطون...ولابد من ساعة مباركة ستتوقف فيها هذه الحرب الهوجاء وحينها سيكتب التاريخ  صفحاته الذهبية عي اليمن وبطولات اليمن وأهل اليمن وستبقى دول العدوان في خانة التحالف الغربي اللئيم والمتصهين وستذكرها اجيال وتلعنها بلعائن الله ورسوله إلى يوم الدين..                                                              

الأحد، 16 أكتوبر 2016

رسالة من شاب عراقي أيزيدي إلى مقاتل عراقي على حدود مدينة الموصل


شاب إيزيدي من مدينة شنكال ( سنجار ) يرسل رسالة الى الجندي العراقي على اطراف الموصل كتب قائلا :
عقارب الساعة تتسابق احداها الاخرى لتقرب دخولك المدينة المتوحشة ، و انت هناك حيث حرارة الشمس و قساوة البراري . اصابع يدك لا تفارق الزناد ، التراب غطى جبهتك الجميلة. تخطو خطوات ثابتة نحو المدينة حيث مسكن البرابرة و زواحف الصحراء . اتوسل اليك ان تكون حذرا مرة على روحك و مرة على الارض التي تدوس عليها باقدامك الطاهرة .
ايها الجندي البطل انا شاب فقدت كل اهلي بيد زواحف الصحراء و ووحوشها حيث يسكنون المدينة المتوحشة .
ايها الجندي و انت تخطو نحو المدينة حيث روابيها و رياضها و اشجارها و جداولها ابحث عن كل قطعة قماش ملطخة بالدماء فقد تكون لاخي الصغير او اختي .
ابحث تحت كل شجرة فقد تجد بقايا جثة والدي .
ابحث في كل البساتين و الجداول فقد تجد اثار دماء امي .
ايها الجندي ان وجدت خصلة شعر ذهبية فهذه لإختي المختطفة ! .
و ان وجدت ثوب ابيض ملطخ بالدماء فهذا ثوب امي ابحث بقربه ستجد عظامها اعدها لي لاضمها للمرة الاخيرة .
ان وجدت عكازة قديمة من شجر البلوط فهذا عكاز جدي ابحث حوله ستجد البرأة قربه و بقايا عظامه اعدها لي لاتبرك بالبرأة و امسح بقايا عظامه .
ايها الجندي و انت تدخل المدينة ابحث في كل الزواية المظلمة في منازلها فقد تجد السلاسل التي قيد بها اخي و عذب و قد تجد السكين الذي ذبح بها .
تلك المدينة ايها البطل في كل زاوية و تحت كل شجرة و قرب كل حجر و امام كل زهرة بقايا من عائلتي .
فهل ستجمع بقاياهم و تعيدها لنلتقي مجددا ، ام ان وحوش المدينة سيفترسون بقاياهم كما افترسوا اجسادهم ؟


الجمعة، 14 أكتوبر 2016

شيرازيون و«طقسنة» التشيّع



كنوز ميديا – تقارير

حين برز تيار الشيرازي (نسبة الى المرجع الراحل السيد محمد مهدي الشيرازي) في كربلاء ثم في الكويت وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، صُنّف بوصفه تياراً فكرياً تقدّمياً داخل المجال الشيعي. فكانت كتابات الشيرازي وإخوته (حسن الشيرازي اغتيل في بيروت في 1981) وصادق الشيرازي (المرجع الحالي في قم) وأبناء أخته (محمد تقي المدرسي وهادي المدرسي)، ومجموعة كبيرة من مثقفي التيار (وهم في الغالب من رجال الدين)، تتّجه ناحية الاجابة على الأسئلة الكبرى في سبعينيات القرن الماضي: هل الإسلام صالح لكل زمان ومكان؟ هل يمتلك الإسلام إجابات على كل الأسئلة، وهل في الاسلام نظام سياسي وآخر اقتصادي وثالث اجتماعي، وهل لديه رؤى في الفن، والصعود الى القمر، ومواكبة العصر بكل تعقيداته، وقوانين الطبيعة، ونظرية الكون…؟

حينذاك، انخرط التيار في تزويد الساحة الشيعية على وجه الخصوص والإسلامية عموماً بفيض من الكتابات الثقافية المتقدّمة، وبرز في التيار من اشتغل على صوغ خطاب شيعي ثوري ومفاهيم إصلاحية تنقل التشيّع من وضع «الاستقالة التاريخية» الى وضع «النضالية الثورية»… وكان لمؤلفات الشيرازي وابن أخته محمد تقي المدرسي، المرجع الديني الحالي في كربلاء، دور محوري في التأسيس لحركة شيعية متطوّرة في المجال العربي، رغم التأثيرات الواضحة لأفكار اليسار الشيعي الإيراني ممثلاً في المفكّرين الثوريين أمثال جلال آل أحمد وعلي شريعتي. وقد عالج المدرسي، على سبيل المثال، وبصورة نقدّية مفاهيم راسخة في العقل القدري الشيعي مثل التوكّل والشفاعة والانتظار والتقيّة والايمان السلبي بالغيب…

ونجح الشيرازيون في تعميم خطاب شيعي حركي في منطقة الخليج (الفارسي) في منتصف السبعينيات، ثم جاءت الثورة الإسلامية الإيرانية كرافعة نموذجية لتزخم الخطاب الجديد وتزيد في ترسيخه وصولاً الى تقويض أسس الموروث الشيعي الغيبوي الذي أسبغ عليه علي شريعتي دمغة «التشيع الصفوي»، أي تشيع السلطة، والشفاعة، والتقيّة، والانتظار، والخرافة، والدعاء من دون العمل، وزيارة الأضرحة من دون التزام قيم أصحابها…

وأمكن القول بأن الشيرازيين كانوا في عقد الثمانينيات روّاداً في تأصيل خطاب ثوري بمواصفات شيعية عربية جنباً الى جانب الخطاب الثوري الايراني، وساعدت الأصول الإيرانية لقادة التيار في «استعارة» و«تعريب» الأفكار الثورية الإيرانية التي كانت تُنتَج على امتداد القرن العشرين، والتي لم يكن بإمكان الأحزاب الشيعية العربية (العراقية على وجه الخصوص مثل حزب الدعوة) القيام بهذه المهمة.

ولكن التشيّع الغيبوي القدري الذي اعتقد المناضلون الشيعة بأنه ولّى الى غير رجعة، عاد للانبعاث مجدّداً بعد أن كان الخط التقليدي داخل تيار الشيرازيين يصارع من أجل البقاء خلال عقد الثمانينيات، عبر مشاغبات عابرة كرد فعل على تشريعات فقهية صدرت عن المرجعية الدينية للجمهورية الاسلامية الايرانية ممثلة في الامام الخميني، مثل حظر طباعة أجزاء من كتاب «بحار الأنوار» للشيخ محمد تقي المجلسي التي تشتمل على كلمات مسيئة للخلفاء الراشدين. وكذلك حظر بعض الممارسات الطقسية من قبيل «التطبير» أي ضرب مقدّمة الرأس بالسيف حد الإدماء، أو حتى إباحة لعبة الشطرنج غير المصحوبة بالقمار كونها تمريناً ذهنياً.

وكرد فعل على «عشرة الفجر» (أي الفترة الواقعة ما بين وصول الامام الخميني من باريس الى طهران وحتى سقوط الشاه) والتي يحتفل فيها الايرانيون بذكرى انتصار الثورة الاسلامية، ابتدع الشيرازيون عشريات متعاقبة أطلقوا عليها مسمّيات لها وقعها في الوجدان الشيعي مثل العشر الفاطميات، والعشر الزينبيات.

وبعد أن كانت مناسبة عاشوراء مقتصرة على عشرة أيام يضاف اليها يومان آخران الثالث عشر من محرم المخصص لدفن أجساد شهداء كربلاء، والاربعين المخصص لعودة سبايا عائلة الحسين عليه السلام من الشام الى كربلاء وزيارة الصحابي جابر بن عبد الله الانصاري لقبور الشهداء فإنّ ثمّة استحداثات طرأت لاحقاً وخصوصاً في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وكرد فعل على التدابير الايرانية الدينية والرسمية التي تمنع التمادي في المناسبة العاشورائية شكلاً ومضموناً. وسّع الشيرازيون من المدى الزمني للمناسبة وكذلك بعدها الطقسي، فوضعوا تورخة جديدة للمناسبة تبدأ من ذي الحجة حيث قطع الحسين بن علي حجّه وقرّر التوجّه مع عائلته الى كربلاء وانتهاءً بشهر صفر، حيث يختتم لمناسبة فرح بمقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وتقام في أماكن مغلقة كون الحكومة الإيرانية تمنع هذه الممارسات وتعاقب عليها.

نشير الى أن تيار الشيرازي وفي رد فعل على إعلان «اسبوع الوحدة» في إيران في عهد الامام الخميني والمخصّص لتعميم ثقافة الوحدة بين المسلمين، أعلن هو «اسبوع البراءة» الذي يدعو للبراءة من الخلفاء الثلاثة.

وفي السياق الشيعي، لم يقتصر الإحياء على عاشوراء بل صار لكل إمام مناسبة إحيائية خاصة وكذلك لفاطمة الزهراء وزينب بنت علي وفاطمة بنت حزام زوج علي بن أبي طالب المعروفة بأم البنين (والدة العباس بن علي أخ الحسين)، وتستغرق كل مناسبة أياماً عدّة، ثم توسّعت ظاهرة الاحياء لتشمل الصحابة مثل وفاة سلمان الفارسي وعمار بن ياسر والقائمة مفتوحة على احياءات أخرى.

لقد لعبت المناكفة والنكاية بإيران دوراً محورياً في نزعة الطقسنة التي غلبت على مجمل أنشطة الشيرازيين بعد وقف الحرب العراقية الإيرانية في آب عام 1988، ثم ما لبث أن انفجرت ثورة طقوسية بعد سقوط النظام العراقي في نيسان/ إبريل 2003، باستغلال حرمان العراقيين الشيعة من مزاولة الحريّات الدينية في العهود السابقة وتوظيفه لناحية الذهاب إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه «الشغف» الطقسي لدى الفرد الشيعي.

وبدأت النزعة الخرافية تطغى على تيار الشيرازي حتى فرضت نفسها على حركته الدعوية على المستوى الاجتماعي، وصار مصنّعاً عالي الكفاءة لممارسات طقسية جديدة، واستعاد الخط التقليدي في تيار الشيرازي زمام المبادرة، وأرغم الخط الثوري فيه على مجاراته بل والمزايدة على أشد الخطوط الشيعية تقليدية. وما كان بالأمس مسؤولاً عن إنتاج تشيّع إصلاحي على المستوى الفكري وثوري على المستوى السياسي، بات هو نفسه منغمساً في تطوير خطاب شيعي مفعم بكل أشكال الطقوسية والغيبوية.

الانفجار الطقوسي في العراق كان يعني عهداً شيرازياً جديداً، جرى استغلاله لناحية زيادة الرصيد الشعبي للتيار على حساب العقيدة الشيعية التي تعرّضت لعملية «طقسنة» واسعة النطاق الى القدر الذي أضفى على التشيع طابعاً غنوصياً أقعده عن إنتاج الأفكار الثورية الخلاّقة، وراح الشيرازيون يوغلون في استدراج الشيعة نحو المزيد من «الممارسات الطقسية» التي وضعت تحت عنون «إحياء الشعائر»!

وفي أجواء مؤاتية كهذه، أدخل الشيرازيون ممارسات طقسية في إطار الإحياء العاشورائي لم تخطر على بال أشد الجماعات الشيعية غلوّاً عبر التاريخ، فلم يتوقف الطقس عند التطبير والمشي على الجمر، أو حتى الزحف على البطن وتمريغ وجنات الخد على الأرض الملساء حد الإدماء، ولكن جرى استحداث طقوس أخرى مثل المشي على الزجاج، وتطبير الذراعين (أسوة بقطع ذراعي العباس بن علي، أخ الحسين بن علي في كربلاء)، والتوسّع في تمثيل واقعة كربلاء في المجالس بارتداء أزياء غريبة بلوني الأخضر والأسود، وحمل أخشاب تعلوها أضواء وشموع بأشكال مثيرة، واستخدام الدفوف والرقص بضرب الأرجل على الأرض، وتقمّص شكل الامام علي في هيئة أسد يحضر الى كربلاء لانقاذ ابنه الحسين وعشرات الاستحداثات غير المسبوقة المستمدة من تراث فرق الغلو والتي يخرجها فقهاء الشيعة من دائرة التشيّع. وعليه، تحوّل تيّار الشيرازي الى مضخّة فعّالة تتدفق منها مشاريع طقسية متناسلة وكان أمام التنويريين الشيعة خيارات مصيرية: إما التماهي مع التيار أو اعتزاله أو المصادمة معه. وقد اختار قسم وازن من التنويريين الشيعة التماهي بعناوين مواربة «المسايرة، المواكبة، المجاراة وأضرابها»، تفادياً لوقوع الانقسام الداخلي، الذريعة المعلّبة التي تحضر دائماً حين يراد تسويغ التخاذل.

وبلغ من قدرة الشيرازيين على احتكار التراث الطقسي الشيعي تمهيداً لوضع اليد على «التشيّع» نفسه، أنهم أرغموا المجاميع الشيعية الأخرى على مجاراتهم. وحتى حزب الدعوة الاسلامية في العراق وحزب الله في لبنان، رغم كونهما تنظيمين طليعيين في المجال الشيعي العربي، دخلا المعترك الطقسي وراح كل منهما «يثقفن» الممارسات المستحدثة في المجال الشيعي، فأصبح الغيبي والخرافي والخيالي بضاعات رائجة في الساحة الشيعية، وبات مطلوباً من عَالِم الدين الشيعي إما الصمّت أو استخدام وسائل مواربة من أجل إقناع الطقوسيين الشيعة بأن ليس كل ما يتمّ باسم الحزن على الحسين هو دين أو يحقق غايات دينية.

وقد لعبت المواجهات المسلّحة على الساحة السورية بين حزب الله وفصائل شيعية عراقية من جهة والجماعات السلفيّة من جهة أخرى، والتهديدات التي يشكّلها «داعش» ضد المقامات الشيعية في العراق وسوريا، في تعزيز الميول التقليدية لدى الشيعة، كما تعبّر عن نزوع جمعي نحو تأكيد الهوية الشيعية في شكلها التقليدي، الأمر الذي سمح بإحياء منظومة المفاهيم الشيعية كاملة بما فيها تلك المفاهيم المصنّفة بكونها من «تراث الغلو». تفسّر العودة الى تلك المنظومة بوصفها ضرورة تعبوية، لمواجهة خطر «التكفيريين». ولا يخلو الأمر من صحة على مستوى المواجهة، ولكن ثمة ارتدادات خطيرة على المستويين الاعتقادي والاجتماعي.

ولأن «الطقسنة» تندرج في إطار «المقدّس» فقد وُضِعَ الجميع أمام اختبار الايمان والولاء لأهل البيت، وإن أولئك الذين يعارضون «إحياء الشعائر» بحسب اصطلاح الطقوسيين الشيعة، سوف تلاحقهم تهمة «عدم الولاء» و»ضعف التدين»، و«معاداة أهل البيت». والحال أن النزاع داخل المقدّس لا يراد منه سوى إضفاء المشروعية الدينية على ممارسات ليست دينية بالضرورة.

إن النزوع المتعاظم نحو «طقسنة» التشيّع من قبل الشيرازيين ينطوي على تهديد جدّي للهوية الثورية والديناميكية للتشيع. وإن نجاح هذا التيار في دفع الشيعة نحو الاغراق في المأثور الغيبوي والسرديات الشعبوية المرسلة يرتد بالتشيّع الى قرون الاستقالة حين كان علماء المذهب يؤصّلون لأفكار الانتظار والتقية وحرمة السعي الى كسر تابوات السلطة بأشكالها كافة، وعليه تحويل التشيّع الى مجرد عاطفة دينية غيبوية منفصلة عن العقل والواقع.

إن الثورة الطقوسية في المجال الشيعي بقيادة تيار الشيرازي يضعنا مجدّداً أمام حقيقة منشأ ظاهرة الغلو في التاريخ الشيعي، إذ يجمع الباحثون على أن الغلو، كما التشيّع، نبتة عربية أصيلة، وأن العراق كان عبر التاريخ الشيعي مرتعاً لحركات الغلو التي أدغمت في التيار العام ونقلت إليه تراثها الميتافيزيقي الغنوصي المستورد من العقائد الماندائية.

في ضوء هذه الحقيقة التاريخية يمكن القول بأن الشيرازيين استعاروا من التشيّع الايراني فكرة الثورة، ونقلوا الى التشيّع العراقي الخرافة. ورغم الأصول الايرانية لقادة التيار، إلا أنّهم ولدوا وعاشوا ودرسوا في العراق وتأثروا به وأثّروا فيه، لا على سبيل تحميل التشيّع العراقي تبعات هذا الانفجار الطقوسي، ولكن لأن المعنيين بالتوجيه الديني جنحوا الى توظيف حرمان الشيعة العراقيين بما يبقي منسوب الوعي منخفضاً الى القدر الذي يسمح باستغلاله على الدوام.

إن الرأسمال الطقسي الذي تجمّع لدى الشيرازيين بفعل امتلاكهم شبكة فضائيات (تصل الى 15 قناة)، وهي بحسب المرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله «حسينيات فضائية»، جعلهم قادرين على احتواء الشيعة عموماً داخل مجال عاطفي على مدى شهرين كاملين (محرم وصفر)، حيث ينكبّ المنشدون الشيعة العراقيون والخليجيون واللبنانيون على تقديم إصدارات عاشورائية بأصوات عذبة وبكلمات ولائية (مع أنها تمثّل بؤس الشعر الولائي على الإطلاق بالمقارنة مع عيون الشعر الولائي الشيعي). وإذ تكاد تخلو الفضائيات الشيرازية من فقرة خاصة بتلاوة القرآن الكريم، فضلاً عن التدبّر في آياته أو أحكامه، أو فقرة خاصة بالحثّ على التزام الفرائض الدينية (الصلاة والزكاة والحج والصوم) والامتثال لقيم الدين (الصدق والأمانة والاخلاص وحفظ العهود والمواثيق…) تنصرف الفضايات تلك إلى حشد «كليبات» الرواديد الذين يستنسخون أساليب المغنيين بترديد أبيات عاشورائية على أنغام مصنّعة عبر تقنية صوتية خاصة، الى جانب نقل المجالس الحسينية التي تروى فيها مأساة عاشوراء بأسلوب حزين، وتمرّر عبرها العشرات من الروايات الضعيفة والموضوعة حول «خوارق» المعركة التي تنزع الى «أسطرة» كربلاء وتحويلها الى حادث غيبي ليس للبشر فيه دخل.

حول الشيرازيون التشيّع الى مأوى لكل الخرافيين والمهووسين بحياكة قصص الكرامات التي تتحدث عن «حضور الزهراء في هذا المجلس»، و»مشاركة المهدي في العزاء»، و»خروج الدم في صخرة» أو تبدّل لون التربة الى الأحمر كلون الدم ليلة العاشر من محرم.

إن اللجوء الى تراث روائي كان مهملاً في المذهب الشيعي أعاد معه إحياء تراث المغيبات والخوارق والكرامات كونه يتناسب والعاطفة الشيعية الشعبية، فبات كل ما يروى عن واقعة كربلاء مقبولاً، وإن كان المخيال الطقوسي لدى الشيرازيين مصدره الوحيد. وعادت كثير من الأفكار الغنوصية التي حاربها المفكّرون الشيعة في الخمسينيات والستينيات والمسؤولة عن عطالة الدور الثوري للتشيع. وفي نهاية الأمر، بتنا أمام تيار شيعي يعيد إنتاج وإدماج الأفكار الحلولية في البناء العقدي الشيعي، وبدأت مجدداً تنتعش عقيدة التفويض التي تكل إدارة الكون الى أهل الكساء الخمسة (محمد وعلي وابناه الحسن والحسين وأمهما فاطمة الزهراء)، وانتشرت معها قصص الخوارق المفبركة من «الموالين»، كما نشطت فكرة «الانتظار» وقرب خروج الإمام المهدي. وبات المناخ مؤاتياً لانبعاث المفاهيم الاسكاتولوجية والميتافيزيقية وأصبحت جزءاً من الثقافة الشعبية والتداول اليومي بين عموم الشيعة العرب. أمام ذلك كله، فضّلت المرجعيات الدينية الشيعية في العراق الصمت حيال الظاهرة، وإن كانت لديها ملاحظات فتحتفظ بها لنفسها تفادياً لثورة «العوام» عليها.

لا ريب في أن النموذج الشيعي الذي يجرى تعميمه حالياً ليس هو المسؤول عن صنع الثورة، بل على النقيض تماماً هو نفسه الذي حاربه منظّرو الثوّرة في المجال الشيعي أمثال محمد حسين النائيني ومهدي الخالصي وعلي شريعتي وروح الله الخميني، ومرتضى مطهري، ومحمد باقر الصدر، ومحمد حسين فضل الله.

أخيراً، فإن تحويل التشيّع من فكرة ثورية الى ممارسة طقسية يجعله عرضة لاختراق واسع من أفكار الغلو والتراث الحشوي الذي اشتغل محقّقو الشيعة على الحد من تأثيراته على الحركة الفكرية الشيعية، ويخشى أن تؤسس النزعة الطقوسية الى خروج التشيّع من التاريخ بعد أن دخل إليه بطريقة ثورية.

* عبد الله العلوي/ أستاذ حوزوي ـ العراق


للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن